إنتاج كتابي رحلة إلى مدينة توزر

إنتاج كتابي رحلة إلى مدينة توزر

فِي فَجْرِ أحَدِ أيّامِ عُطْلَةِ الخَرِيفِ  اِنْطَلَقَتْ عَائِلَةُ السَيّد حَمْدِي فِي رِحْلَةٍ لَطَالَمَا حَلمُوا بِهَا وَهِيَ زِيَارَةُ مَدِينَةَ تُوزُر  تِلْكَ الجَوْهَرَة الصّحْرَاوِيّة التِي تَتَلألأ فِي جَنُوبِ غَرْبِيّ البِلادِ التّونِسَيّة .

كَانَتْ ضَحَكَاتُ العَائِلَةِ  تَتَعَالَى فِي السَيّارَة وَقُلُوبُ أفْرَادِهَا  تَنْبُضُ فَرَحًا وَهُمْ يُشَاهِدُونَ المَنَاظِرَ الطَبّيعِيَة الخَلابَة عَلَى طُولِ الطّريِق ِ.

وَبَعْدَ سَاعَاتٍ مِنَ السّفَرِ بَلَغُوا مَدِينَةَ تُوزُر فَإذَا غَابَاتُ النّخِيلِ تَظْهَرُ أمَامَهُمْ كَأنّهَا بَحْرٌ أخْضَر مُمْتَدّ  تَتَوَهّجُ  فَوْقَ  قِمَمِهِ أشِعّة شَمْس ذَهَبِيّةٍ بَرّاقَةٍ .

 اِمْتَلأتْ عُيُونُ الطّفْلَيْنِ دَهْشَة فَأسْرَعَا يَلْتَقِطَانِ صُوَرًا تُخَلّد اللّحْظَةَ . بَيْنَمَا اِنْصَرَفَ الأبُ وَ الأمّ إلَى شِرَاءِ عُرْجُونِ تَمْرٍ شَهِيّ كَأنّهُ حَبّاتِ عَسَلٍ مُصَفّى  ،  ثُمّ وَضَعَاهُ بِرِفْقٍ فِي السَيّارَةِ  اِسْتِعْدَادًا لِمُوَاصَلَةِ رِحْلَتِهِمْ الجَمِيلَة .

وَبَعْدَ أن أتَمّت العَائِلَةُ جَوْلَتَهَا بَيْنَ غَابَاتِ النّخِيلِ الوَارِفَةِ ، اِنْطَلَقَتْ  نَحْوَ الصّحْرَاءِ ،  حَيْثُ  تَمْتَدّ الرّمَالُ الذّهَبِيّةُ فِي الأفُقِ بِلا نِهَايَةٍ كَأنّهَا بِسَاطٌ مِنْ نُورٍ نَسَجَتْهَا الشّمْسُ .

 وَهُنَاكَ لَمَحُوا مَجْمُوعَةً مِنَ الجِمَالِ تَمْشِي بِخُطُوَاتٍ ثَابِتَةٍ ، تَبْرُقُ عُيُونُهَا الوَاسِعَةُ  وَتَزْدَادُ جَمَالا بِرُمُوشِهَا الطّوِيلَةِ التِي تَقِيهَا غُبَارَ الرّيَاحِ .

فَالْتَفَتَ  الأبُ إلَى طِفْلَيْهِ  قَائِلا :” أتَعْرِفَانِ لِمَاذَا سُمّيَ الجَمَلُ  –  سَفِينَةُ الصّحْرَاءِ – ؟  “

ثُمّ سَكَتَ بُرْهَةً وَ أضَافَ :” ذَلِكَ لأنّهُ يَشُقّ  أمْوَاجَ  الرّمَالِ كَمَا تَشُقّ السّفِينَةُ أمْوَاجَ البَحْرِ  ، . اُنْظُرُا إلَى أقْدَامِهِ العَريِضَةَ … لَقَدْ خَلَقَهَا اللهُ وَاسِعَةً كَيْ لا تَغُوصَ فِي الرّمْلِ … وَتَأمّلا حَدبَتَهُ العَالِيَةَ  ، إنّهَا مَخْزَن طَاقَة عَظِيم يُعِينُهُ عَلَى السّيْرِ  أيّامًا  طَوِيلَةٍ  دُونَ  مَاءٍ .”

وَفِي خِتَامِ  هَذِهِ الجَوْلَةِ السّاحِرَةِ تَوَجّهُوا إلَى السّوقِ العَتِيقِ فَاشْتَرُوا سَجّادَةً  مُزَرْكَشَةً  نَسَجَتْهَا أنَامِلُ مَاهِرَةٌ  وَقُفّةً مِنَ السّعَفِ   تَفُوحُ مِنْهَا رَائِحَةُ الوَاحَةِ  إضَافَةً إلَى تُحْفَةٍ فخّاريّة  تَحْمِلُ خُطُوطًا وَزَخَارِفَ  بَدِيعَةٍ  .

وَعِنْدَ  نِهَايَةِ الرّحْلَةِ  عَادُوا وَالفَرَحُ يَمْلأ صُدُورَهُمْ ، وَقَدْ حَمَلُوا  مَعَهُمْ ذِكْرَيَاتٍ جَمِيلَةٍ لَنْ تُنْسَى ،   وَصُوَرًا مَحْفُورَةً  فِي ذَاكِرَتِهِمْ قَبْلَ أنْ تُحْفَظَ فِي الهَوَاتِفِ  ، سَتَظلّ هَذِهِ الرّحْلَةَ مِنْ أجْمَلِ مَا عَاشُوهُ فِي حَيَاتِهِمْ .

Vous aimerez aussi...

مكتبتي المنصة التعليمية
error: Content is protected !!