إنتاج كتابي فصل الشتاء
إنتاج كتابي فصل الشتاء
كَانَتْ السّمَاءُ مُلبّدَةً بِغُيُومٍ سَوْدَاءَ ثَقِيلَة، وَالبَرْدُ يَلفّ المَكَانَ بِصَمْتٍ قَاسٍ . خَرَجْتُ مِن المَدْرَسَةِ أحْمِلُ حَقِيبَتِي، وَشَعرْتُ بِالهَوَاءِ البَارِدِ يَتَسَلّل إلى كَامِلِ جِسْمِي . وَ مَا هِي إلا لَحَظَاتٍ حَتّى بَدَأتْ قَطَرَاتُ المَطَرِ تَتَسَاقَطُ، ثُمّ اشْتَدّ هُطُولُهَا سَرِيعًا، فَابْتَلّت مَلابِسِي وارتجفت أوْصَالِي مِنْ شِدّةِ البَرْدِ. امْتَلأت الطّرُقَات بِالمَاء،وَاتّسَعَتْ البِركُ حَتّى صَارَتْ تَلْمَعُ تَحْتَ الضّوْء كَأنّهَا مَرَايَا كَبِيرَةً . كُنْتُ أمْشِي بِحَذَرٍ، أرْفَعُ قَدَمَيّ خَشْيَةَ الانْزِلاقِ، بَيْنَمَا كَانَ قَلْبِي يَخْفِقُ بِسُرْعَة لأنّ الشّارِعَ أصْبَحَ زَلقًا وخَطِرًا. هَبّتْ ريَاحٌ شَدِيدَةٌ، فَاهْتَزّتْ الأشْجَارُ وَانْحَنَتْ أغْصَانُهَا، وتَسَاقَطَتْ بَعْضُ الأوْرَاقِ قُرْبَ قَدَمَيّ. شَعُرْتُ بِالخَوْفِ يَتَسَلّل إلَى دَاخِلِي ، وَازْدَادَ إحْسَاسِي عِنْدَمَا لَمَعَ البَرْقُ فِي السّمَاءِ، أعْقَبَهُ
صَوْتُ الرّعْدِ المُهِيبِ، فأمْسَكْتُ بِحَقِيبَتِي بِقُوّةٍ، مُتَمَنّيًا أنْ أصِلَ إلى البَيْتِ فِي أسْرَعِ وَقْتٍ. تَابَعْتُ المَشْيَ وأنَا أنْظُرُ أمَامِي، أبْحَثُ عَنْ طَرِيقٍ آمِنٍ بَعِيدًا عَنِ البِرَكِ الكَبِيرَةِ. وَحِينَ وَصَلْتُ إلى البَيْتِ ، فَتَحْتُ البَابَ وَدَخَلْتُ مُسْرِعًا، فَغَمَرَنِي الدّفْءُ وَهَدَأ قَلْبِي. عِنْدَهَا شَعُرْتُ بِالطّمَأنِينَةِ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي إنّ الشّتَاءَ قَدْ يَكُونُ قَاسِيًا أحيانًا، لَكِنّ الأمَانَ فِي المَنْزِلِ يَجْعَلُ كُلّ شَيْءٍ أهْوَنَ.
ثُمّ تَذَكّرْتُ فَجْأةً مَنْ لا مَأوَى لَهُمْ فِي الكَثِيرِ مِنْ بِقَاعِ العَالَمِ ُيعَانُونَ الجُوعَ وَالعَرَاءَ وَيفْتَقِدُونَ
الإحْسَاسَ بِالأمَانِ فَفَاضَتْ عَيْنَايَ بِالدّمُوعِ وَانْفَطَرَ قَلْبِي حُزْنًا وَ ألَمًا وَدَعَوْتُ رَبّي قَائِلا :” اللّهُمّ فَرّجْ كَرْبَهُمْ. وَارْزُقْهُمْ الأمَانَ وَالسّكِينَةَ يَا رَب .”



